روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | الدوجماتيزم أو الجمود الفكري والتعصب... وآثارهما المدمرة على الفرد والمجتمع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > الدوجماتيزم أو الجمود الفكري والتعصب... وآثارهما المدمرة على الفرد والمجتمع


  الدوجماتيزم أو الجمود الفكري والتعصب... وآثارهما المدمرة على الفرد والمجتمع
     عدد مرات المشاهدة: 2837        عدد مرات الإرسال: 0

إن أحد ملامح موت الأفراد والأمم، هو الجمود والركود والتعصب خاصة على صعيد الفكر والثقافة والوعي الذي يسيطر على الفكر والعقل البشري بحيث تسيطر على مختلف الفعاليات العقلية.

والجمود هو عكس المرونة وهو عدم القدرة على إيجاد أو إبتكار أفكار وآراء متنوعة من أجل معالجة قضية أو حل مشكلة ما، وايضا عدم القدرة على رؤية أو تغيير الإتجاه نحو آفاق اخرى، وهو يشترك في ذلك مع مفاهيم اخري من حيث الاسباب والاثار ومن اهم هذه المفاهيم -الدوجماتية والتعصب والتصلب.

واصحاب هذه الشخصية كثيرون في مجتمعنا الآن ونجدهم يشتركون في الحكم على الامور دون اي أساس من الصحة أو العقل والمنطق، أو اي دلائل موضوعية مع المشاعر السلبية التي تتسق مع هذا الحكم وتوجهات سلوكية سالبة حيال أعضاء الجماعات موضوع الكراهية.

ويشير مفهوم التصلب إلى العجز النسبي عن تغيير الشخص لسلوكه أو إتجاهاته عندما تتطلب الظروف الموضوعية ذلك، والتمسك بطرق غير ملائمة للسلوك والشعور، وقد أشارت نتائج بعض الدراسات أن الأشخاص ضعاف العقول والذين حدثت لهم إصابات في الدماغ يتسمون بالتصلب لكنهم ليسوا منغلقي الذهن وقد ينظر الى التصلب والدوجماتية بإعتبارهما وجهان لعملة واحدة.

إن الشخصية الدوجماتية بإعتبارها شخصية منغلقة ذهنيا على معتقدات وقيم معرفية تتصف بسمات الرفض السريع لأي دليل أو مناقشة تتعارض مع معتقداتها وعدم الرغبة في إختبار البرهان الجديد إذا ما تكون الرأي فعلا مع معاداة أصحاب المعتقدات المخالفة، والنظر إلى الأمور الجدلية على أساس أبيض وأسود فقط والفرد منهم غير قادر على التخلي عن آرائه حتى لو بدا له خطؤها،على عكس صاحب الفكر المنفتح الذي يتشوق لمعرفة الجديد سواء كان موافقا لما يرى أو مخالفا له.

واللغة التي يستخدمها الشخص الدوجماتي تميل إلى المغالاة والقطعية فهو يكذب الآخرين وينكر اقواله، مع مفردات خاصه فالمفردات التي نستخدمها ذات دلالة قوية على رؤيتنا للأشياء وعلى طريقة تفكيرنا، والواحد منا حين يستخدم الألفاظ الصارمة يعطي للآخرين شعورا خفيا بعدم وجود جدوى للحوار، أو وجود إمكانية لتغيير الآراء.

وهناك حساسية لدى اصحاب الفكر المنغلق وقسوة في المشاعر تجاه الخصوم ومشاعرهم نحو الآخرين ضعيفة أو منعدمه أو منحطة ومشوهه، لذا نجدهم يعبرون عن أفكارهم بدون أخذ في الإعتبار لمشاعر الآخرين أو المستمعين، وكثيرا ما تكون تعميماتهم للأوصاف السيئة على معارضيهم السبب في ذلك، نجد ذلك واضحا فيمن يجادلون في الحق ويقلبون الحقائق وحساسياتهم تجاه اي رمز أو فكر أو اي إشاره تصدم مع جرائمهم أو افكارهم المنغلقة وفكرهم السقيم وشماتتهم في القتل أو التدمير أو اغتصاب حقوق الآخرين أو الحجر على آرائهم وافكارهم.

واصحاب هذه الشخصية يدعون انهم عالمون ببواطن الامور وأن لديهم جواب لكل سؤال، والسبب في ذلك أن ممارستهم للمشاركة في التحدث قائمة على عدد محدود من المبادئ والمفاهيم الجاهزة والمحدودة، والتي يحفظونها عن ظهر قلب ويسارعون إلى إستخدامها في محاوراتهم، ولا نجد لديهم اي مشكلة نحو الآثار التي تترتب على عدم صحتها.

وهم دائما يأخذون الشيء كأنهم خاطفون أو سارقون مما تجد لديهم نوعا من الإرتباك والتناقض وكثيرا ما نراهم متورطون في العمل على تنفيذ آراء خصومهم في حياتهم العملية، وتجسيد أهدافهم، إنهم غير منسجمون حتى مع انفسهم أو الآخرون ولديهم عجز عن إدراك مدى منطقية أعمالهم واتساقها مع نتائجها وهذا كثيرا ما يجعلها لصالح خصومهم.

وفي الأخير ان لهم دورا سيئا وسلبيا على العلاقات الإجتماعية والمكانة الإجتماعية للفرد في وسط مجتمعه، لأن غلق الفكر على معتقدات معينة له سلبيات جمة مما يدعو إلى الإنتباه إلى طريقة تعاملنا مع أفكارنا ومعتقداتنا.

يرى روكيش صاحب هذه النظرية أننا يمكن أن نحدد درجة دوجماتية أو تعصب أو تحجر عقل ما بناء على مجموعة من المحددات من أهمها حدة وشدة فصله بين المعتقدات التي يقتنع بها والمعتقدات التي يرفضها.

وعدم القدرة على ان يميّز بين العقائد والأفكار التي يرفضها، فهو يضعها في سلّة واحدة هي سلّة الخطأ والضلال، دون أن يكلّف نفسه بالبحث في نقاط التقاء وتقارب مع الأفكار المخالفة.

إنهم يغلقون كل منفذ للتفكير أو الحرية أو للإجتهاد أو الإلتقاء مع الآخرين ولذا تجد عندهم مقولات لأشخاص تتحول إلى مسلمات لا يجوز النقاش حولها أو نقدها، كذلك يؤلهون بعض الاشخاص بحيث لا يجوز المساس بهم أو الإقتراب منهم مع إستخدامهم كل ادوات الإقصاء. انهم لا يعيشون عصرهم ولا زمانهم بل يعيشون واقع قديم فتجدهم يفكرون كأنهم في ستينيات القرن السابق ويتشدقون بمثل ومقولات واشياء هم حتى بعيدون عنها تماما فتراهم ينسبون البطولة الوهمية لشخص رغم بعده عنها تماما ويشبهونه بالبطل ويضفون عليه كل ما هو ابعد شيء عنه!!! مما يتسبب في غربته وفرعنته وإفتراءه وإتسامه بصفات البارونية أو جنون الإضطهاد والشعور بالعظمة معا وإحداث تناقضات وإنفصامات هائلة فيه وفيهم، دائما تكون هذه اللحظة في الماضي، لحظة نشوء الفكر أو لحظة وقوع أحداث مهمة وجذرية في تاريخه. العقل الوثوقي لا يفكر بمنطق تاريخي ولا يعترف بتغير الأزمان وتغير الظروف لأن من صفاته الثبات والإستقرار بينما منطق الحياة والواقع الحركة والتغير والتحول.

ولابد من الاشارة الى امر مهم وخطير على مجتمعاتنا الا وهو اسلوب التنشئة والتعليم في مدارسنا وجامعاتنا فهي لا تتبع اسلوب الإستنتاج في التعليم بل اسلوب حفظ المعلومات ومحاولة تخزين اكبر كمية منها في الذاكره والحفظ والتلقين والإستظهار وعدم ممارسة الديمقراطية أو حرية الفكر والحوار، ولعل معيار الذكاء -من دون ان نشعر- اصبح مقرونا بقدرة الطالب خلال كل فترات دراسته على تخزين وحفظ المعلومات، والعمل بها لاحقا على طريقة إفراغها فقط اي لا يصبح المحتوى جزءا لا يتجزأ من نظامهم الفكري يغنيه ويوسع آفاقه وانما كل ما في الامر يصبح الطالب حافظا لكم من المعلومات أصلا توصل اليها شخص آخر، فنحن لا نعلَم الطالب على التفكير والإستنتاج أو الإبتكار أو الإختراع بينما في الدول المتحضرة التي تتبع اسلوبا منهجيا في التدريس يقوم على الإستنتاج المنطقي فالطلاب بدلا أن يكونو مستقبلين سلبيين للكلمات والأفكار فإنهم ينصتون ويستمعون ويتجاوبون بطريقة فعالة ومثمرة مع الإختراع والإكتشاف والتطبيق العملي الفعلي لكل ما تعلمه نظريا.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة...لماذا لا يبدع شبابنا ويبرزون علميا أو فكريا أو اعلاميا الا خارج حدود بلادهم؟ لانهم ببساطة يتعلمون في الغرب كيف ينشطون ملكة الإبداع والخلق والإستنتاج لديهم في حرية وديمقراطية تامه وهي التي سبق وجمدت من قبل بأسلوب التعليم في بلادنا.

اننا نفتقد كل سمات الوعي اللازم لمعايشة الحياة ومواكبتها حتى بين غالية المثقفين واصحاب الشهادات العليا وعنما تناقش بعضهم تصاب بالغثيان احيانا.

نجد معظم انانيون مع عدم تحمل المسؤولية واللامبالاة لأن التفكير والتجدد يفرضان على الإنسان مسؤوليات متعددة خاصة عندما يواجه مجتمعا سيطرت عليه الكثير من الأفكار الجامدة.

ان لديهم الخوف من المعارضه ومن كل ما هو جديد، لان الجديد يتطلب طاقات فكرية وإجتهاد يفتقدونها، والسعي في هذه الأمور يرهق عقولهم التى تعودت على التراخي والكسل والأفكار الجاهزة، ولديهم ضعف في البصيرة بحقيقة الحياة والدين، وضيق الأفق في التفكير، وخفة الموازين في العلم.. مما يجعل الفرد منهم يعتقد أنه حاز العلم بمقوماته كلها ولا يقرؤون التاريخ ولا يتعظون... وهل لفرعون وأتباعة ان يرجعوا عن غيهم أو يتعظوا؟!!!.

ان قلة أو انعدام الخبرة بواقع الحياة، والعلم بالتاريخ، وسنن الله في خلقه تجعلهم يأخذون الوقائع على غير حقيقتها، ويفسرونها وفق أوهام وخيالات لا أساس لها.

ان حالة الاستبداد السياسي والإجتماعي والتي حاصرت عقولنا ومجتمعنا الآن جمدت كل شيء واوقفت كل دواعي العمل والإنتاج والإبتكار والإبداع لدينا، وتجمد العقل عن ممارسة دوره الطبيعي، فليس لديهم الا الإهتمام بالقشور والهوامش وترك الأولويات الضرورية خاصة عندما يغوص الفكر في أمور لا طائل منها، وتنحصر المناقشات(حصرا) في قضايا هامشية تغطي على القضايا الأساسية والحيوية.

ان التطرف والمغالاة في كل شيء هو سمتهم، وهي علامة على السقوط في مهاوي سقطت بها الأمم السابقة، فكانت السبب في هلاكها، قال تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} [المائدة،77].

أن ما يحاولونه اصحاب هذه النظرة ان تسود مجتمعاتنا ثقافة الترف والإستهلاك، وتتمزق أواصر العلاقات الإجتماعية، وتصبح الأفكار والقِيَمُ بعضَ سِلَعِ التِّجَارةِ، وبعض مَوادِّ الاسْتِهْلاكِ، ويتوقف التفكير والفهم ويصابان بالشلل، وينشغل أبناء المجتمع بحاجاتهم وأشيائهم اليومية، ويلفظ المجتمع أنفاسه الأخيرة، لأن موت الأفكار هو موت للأسس التي تقوم عليها حضارة الأمة والمجتمع، فتنبعث منه روائح الموت، وتنجذب إليه برابرة الشعوب والمستعمرين.

الكاتب: د. أيمن غريب قطب.

المصدر: موقع المستشار.